-
مسؤول سابق لدى وزارة الدفاع الأمريكية لـ"ليفانت": ثمّة صعوبة في نجاح المفاوضات السياسية دون وسيط جاد يصنع مقاربات معقولة لمطالب الجميع
قال ديفيد دي روش، خبير في مركز الشرق الأدنى وجنوب آسيا للدراسات الاستراتيجية بجامعة الدفاع الوطني التابعة لوزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) والمسؤول العسكري السابق، إن الجميع يدرك تماماً ماهية ما يجري من غزو عسكري روسي ضد أوكرانيا، وسعي موسكو نحو تفعيل منطقة عازلة عسكرياً. بيد أنّ الغرب أيضاً يعلم تماماً أهمية أن يتوقف التحدي الروسي، وضبط أدائه لصالح استقرار النظام الدولي وضبط منسوب الأمن.
وفي تقدير المسؤول العسكري السابق لدى وزارة الدفاع الأمريكية، في حواره مع "ليفانت"، إن شروط التفاوض الروسية ليست جادة ولا تعكس حسن نية، بل هي إعادة صياغة لمطالب روسيا السياسية، ولذلك ستبدو أية مقاربة أنها محاولة إجابة على أسئلة مستحيلة. فهل يمكن تصور أن تحدث موافقة من جانب أوكرانيا على ضم شبه جزيرة القرم والجمهوريتين الروسيتين الانفصاليتين؟ وهل يمكن أن نتخيل إيجابية من خلال طلب موسكو حول نزع سلاح أوكرانيا حتى لا تقاوم أبداً أي مطالب روسية أخرى، ثم توافق على الاندماج في المجال الأمني الروسي، بطريقة مماثلة للوضع في بيلاروسيا؟ عبر ذلك أرى صعوبة في نجاح المفاوضات السياسية دون وسيط جاد يستطيع أن يصنع مقاربات معقولة لمطالب الجميع.
نص الحوار:
*الأعمال العسكرية على مسرح الأحداث في أوكرانيا تبدو أقرب إلى الصراع الدولي بين روسيا، من ناحية، وحلف الناتو، من ناحية أخرى، فضلاً عن الولايات المتحدة الأمريكية.. كيف ترى هذا الوضع من خلال هذا المنظور؟
من الواضح أنّ هذا الصراع بين روسيا والنظام العالمي الليبرالي قائم على القواعد التي استقرّت في فترة ما بعد الحرب الباردة. وقد حاول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأن تكون لروسيا القدرة على تقييد سيادة الدول المجاورة لها، والتي كانت جزءاً من الاتحاد السوفياتي السابق، وجزءاً من حلف وارسو كذلك. وتعدّ تلك المحاولة أو المساعي المحمومة عملية تطبيق لامتياز إمبراطوري واستعماري من جانب روسيا تجاه دولة مستقلة ذات سيادة، مثل أوكرانيا، ولذلك لا يمكن النظر إليه سوى كونه غزواً عسكرياً من جانب القوات الروسيّة، فجاءت تحركات الإدارة الأمريكية منذ شهور نحو العمل بشكل جاد لنزع فتيل الأزمة ومحاولة تجنّب إشعال فتيل العمليات العسكرية، كون ذلك سيضع كافة تناقضات العمل السياسي في وجه الجميع، سواء كان ذلك لدى واشنطن أو موسكو، وكذا دول حلف الناتو.
ربما ذلك هو ما دفع متّخذ القرار في واشنطن نحو تفعيل آلية العقوبات الاقتصادية للحدّ من عمل الروس ضد أوكرانيا، ومواجهة خطر التغوّل الروسي عبر تطور العمليات العسكرية مما يفرض تحديات سياسية واقتصادية على الجميع.
*هناك سيناريوهات كثيرة بخصوص الأحداث الساخنة، لكن الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي يبحثان في تطور الأمر بإطالة أمد العمليات العسكرية.. إلى أي مدى ترى هذا السيناريو؟
نعم، ثمة سيناريوهات عديدة تتعلّق بهذه الأوضاع الساخنة، لذلك ينبغي النظر إليها عبر عدة زوايا وأطروحات، منها، إن الناتو ليس طرفاً في هذا الصراع. وهي قلقة للغاية من ذلك؛ لأن منطق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في غزو أوكرانيا ينطبق على العديد من دول الناتو أيضاً، غير أن الناتو نفسه يشارك فقط في اتخاذ الاستعدادات الدفاعية بين أعضاء الناتو، حيث تشارك العديد من دول حلف الناتو في إمداد أوكرانيا بالأسلحة. هذا لا يهدف إلى إطالة أمد الحرب في حدّ ذاته -لا توجد استراتيجية لـ "نزيف" روسيا- بل يهدف بالأحرى إلى تمكين أوكرانيا من الدفاع عن نفسها. يشعر بعض أعضاء الناتو أنه إذا لم يتم إيقاف بوتين في أوكرانيا، فإن القادم في ذهنية الرئيس بوتين، من وجهة نظرهم، قد يكون غزو دول أخرى في الناتو، ولذلك تبدو تحركات الناتو قائمة على مساعدة أوكرانيا عسكرياً ومساندتها لصدّ هجمات موسكو ودحض الهجوم العسكري على مدنها.
الجميع يدرك تماماً ماهية ما يجري من غزو عسكري روسي ضد أوكرانيا، وسعي موسكو نحو تفعيل منطقة عازلة عسكرياً. بيد أنّ الغرب أيضاً يعلم تماماً أهمية أن يتوقف التحدي الروسي، وضبط أدائه لصالح استقرار النظام الدولي وضبط منسوب الأمن.
*المفاوضات السياسية من أهداف العمليات الميدانية.. ما أبرز النتائج التي يحرص الجانب الروسي على تحقيقها، سواء من خلال الصراع العنيف أو المفاوضات السياسية؟
لا أستطيع أن أنظر بارتياح لأمر المفاوضات السياسية بين روسيا وأوكرانيا بينما الأعمال العسكرية الهجومية تحصد أرواح الأبرياء والمدنيين. الجميع يعلم تماماً أن بوتين لديه أهداف محددة تتحرك عسكرياً من خلال غزو قواته للمدن الأوكرانية بغية أن يرضخ الجانب الأوكراني من أجل تنفيذها، وتأتي المفاوضات السياسية عبر تمني الجانب الروسي أن تنجح المفاوضات في تحقيقها عبر تصور أن الأعمال العسكرية كانت تستطيع أن تحصد أهدافها في وقت أقلّ مما مضى، ولكن مع طول أمد الصراع الخشن على الأراضي الأوكرانية وصمود منظومة الدفاع الجوي في صدّ هجمات الطيران الروسي فلن أعوّل كثيراً على أمر المفاوضات، ولن أنتظر منها عائداً إيجابياً في المدى المنظور.
تقديري يستقرّ أنّ شروط التفاوض الروسية ليست جادة ولا تعكس حسن نية. بل هي إعادة صياغة لمطالب روسيا السياسية، ولذلك سأضع إجابتي في تصور أسئلة مستحيلة. فهل يمكن تصور أن تحدث موافقة من جانب أوكرانيا على ضم شبه جزيرة القرم والجمهوريتين الروسيتين الانفصاليتين؟ وهل يمكن أن نتخيل إيجابية من خلال طلب موسكو نزع سلاح أوكرانيا حتى لا تقاوم أبداً أي مطالب روسية أخرى، وتوافق على الاندماج في المجال الأمني الروسي، بطريقة مماثلة للوضع في بيلاروسيا؟ عبر ذلك أرى صعوبة في نجاح المفاوضات السياسية دون وسيط جاد يستطيع أن يصنع مقاربات معقولة لمطالب الجميع.
*إذاً، في تقديرك كيف يبدو وضع النظام الدولي في خضم وأعقاب تلك الأحداث؟
ربما من المنطقي أن ننصت جميعاً لذلك الحديث حول ملامح ومؤشرات لنظام دولي جديد تنطلق فيه قوى جديدة وتستطيع من خلاله أن تبلور لنفسها موضع قوة ونفوذ داخل هذا النظام، بيد أن الجميع يفوته أن كافة ما جرى خلال فترة الصراع داخل أروقة الجمعية العامة للأمم المتحدة يستقر نحو الحضور الأبرز للولايات المتحدة الأمريكية ومدى التكاتف الذي يظهره حلف الناتو صوب هذه الأزمة، وتلك الأحداث الساخنة، وأن كافة موازين القوة القديمة ما زالت مستقرة وآمنة. إذاً علينا أن نرقب بنظرة متوازنة للصراع الدائر حالياً فيما بين آليات الاقتصاد والسياسة مع اشتعال درجات الصراع المتفاوتة في أوكرانيا وإلى أي المسارات ستمضي أسعار الطاقة.
على أية حال، ينبغي القول إنّ أي شيء سيصيب النظام العالمي أو يؤدي إلى تآكل هذا النظام القائم على القواعد هو أمر سيء للأنظمة الدولية، إنه في الحقيقة اضطراب صارخ للغاية. فيتم إبراز عجز الأمم المتحدة هنا، لكن فرض العقوبات بطريقة سريعة يظهر أن التعاون الدولي -خارج المؤسسات الرسمية- ما يزال بإمكانه العمل. إذاً، هناك رسالة مختلطة بشأن التعاون الدولي. من المؤكد أن المؤسسات الثابتة، مثل منظمة الأمن والتعاون في أوروبا والأمم المتحدة، لا توحي بالثقة في الوقت الحالي.
*امتنعت الإمارات والصين عن دعم التنديد الروسي في جلسة مجلس الأمن.. ما هو تفسيرك لهذا النهج من أبو ظبي؟
أعتقد أن موسكو رحبت بأي امتناع عن التصويت على قرار مجلس الأمن، لكن من الحكمة ألا تقرأ الكثير فيه. كان الجميع يعلم أن روسيا ستستخدم حق النقض ضد قرار مجلس الأمن، لذا يمكنهم الامتناع عن التصويت وإرسال رسالة دون أي تكلفة حقيقية ودون أي ضرر حقيقي بالسياسة. لا ينبغي أن يؤخذ امتناع الإمارات عن التصويت كدليل على إعادة الاصطفاف تجاه موسكو، ولكن بدلاً من ذلك كوسيلة للإشارة إلى عدم الرضا عن الولايات المتحدة.
ذلك هو تقديري، فالمؤشر الأكثر أهمية في قراءة هذا القرار يتماثل ودلالات الخلاف حول بعض القضايا يين إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، والإمارات، وعلى الأول أن يناقش الإدارة في الإمارات حول ذلك. ومن ثم، أستطيع القول إن قرار الإمارات العربية المتحدة بالتصويت في مجلس الأمن بهذه الطريقة هو رسالة واضحة ومحددة للجانب الأمريكي لمراجعة بعض الملفات، من بينها ضرورة تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية.
*هناك رأي ثابت بأن بكين من الدول المستفيدة من أي صراع بين موسكو وواشنطن.. هل توافق على هذا الطرح؟ ولماذا؟
تعاني بكين من توتر مستمر بين ضروراتها الاقتصادية لتعزيز التجارة العالمية وضرورتها السياسية لتعزيز مكانة الصين في جميع أنحاء العالم. يتم إبراز هذا التوتر من خلال عدة أمور؛ سيؤدي ارتفاع أسعار الطاقة إلى إلحاق أضرار جسيمة بالاقتصاد الصيني. في الوقت نفسه، ترحب الصين بأي شيء ترى أنه يؤدي إلى تآكل موقف الولايات المتحدة. لكن الحرب ضارة بالأعمال التجارية، لذلك من المتوقع أن تكون الصين أقل حماساً بشأن وجهات النظر الروسية تجاه استمرار الصراع.
الجميع يدرك تماماً أنه يدور في فلك التناقضات السياسية وأن أهداف الجميع تتطلب التحرك على حواف الخطر حتى يتجنّب الجميع الخسارة الكاملة.
ليفانت - رامي شفيق
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!